أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

عاصمة قلبي

 

ما أن فتحت عيني وأفكاري تدور في رأسي تبحث لها عن مخرج.. وأنا قد قلت سابقاً أني ولسببٍ ما أشعر بالإلهام الكبير عندما أكون بالقرب من النوم، إما ذاهباً إليه أو راجعاً منه.  وها هي التي كنت قد حلمت بها منذ دقائق، أراها أمامي الأن وأنا أُدون. أراها لأنها أكبر من مجرد حلمٍ بالنسبة لي.. هي واقعٌ أقصده كثيراً.. ولا أمّل منه أبداً.

قد لا أكون من محبي المتاحف والمواقع الأثرية.. وقد لا أهتم كثيراً بما قاله جورج السادس أو ما فعله الملك الفلاني في القرن الفلاني  وغيرهم.. ولكني أُدرك عراقة كل الأماكن العريقة، والكثير من المدن القديمة الجديده.. هي تحمل تلك الاوصاف، إلا أني لا أحبها لذلك. وربما تكون هذة المملكة قد أساءت للناس في دياري، وأساءت للدار نفسها في ما مضى من سنينٍ بعيده، إلا أنها أخذتني أسيراً عند عودتها وتخليها عن أرضي، وعيناي لم تكن قد رأت النور بعد. أسَرَت أسفاري .. وإبتساماتي .. وتناهيدي ..

ليست بعاصمة الحب، وإن كنت أعتقد شخصياً أنها كذلك.. وليست بعاصمة الفن، أو الجمال، أو الطعام، أو أي شيءٍ من تلك التي تأسر القلوب. ما كانوا أهلها أبداً الأطيب.. ولا شوارعها الأنظف والأرتب.. ولا مناظرها هي تلك التي تأخذ الشاعر أو الرسام لما هو بعيدٌ جداً في عالم الإبداع.. إلا أنها عاصمة قلبي

كثيرون هم أولائك وأنا منهم، الذين يحبون الهدوء، وخضار الجبال وبياض البحيرات وصوت العصافير الصفراء.. مِن هؤلاء مِن لا يحب هذة المدينه لأنها ليست كذلك في أعينهم، والأهم أنها ليست كذلك في قلوبهم.. إلا أني وباستغرابٍ في نفسي أجد فيها نوعاً من الهدوء رغم صخبها، وكثرة من يعيشُ فيها، وزحمة شوارعها. أجد الهدوء الكبير وأنا أمشي في أحد تلك الشوارع لوحدي، أشاهد العدد الكبير جداً من الناس يمشون معي وحولي.. بل وكأنهم أرجلي التي تحملني، فلا أشعر بها. أحب كثيراً مشاهدة الناس، والخوض في قصصهم دون التحدث إليهم.. ذلك هدوءٌ أشعر به أنا فقط. تتزاحم في مخيلتي كل تلك الأبراج والمباني الجديده، والعديد منها الذي مازال قديماً جداً، وكأنها أمامي لوحاتٍ أرى فيها الجبال الخضراء، والتي تعلوها طبقة بيضاء تبقت من فصل الشتاء.. وصوت العصافير أسمعها تزقزق من خلال أحاديث الناس الذين يمرون بجانبي، بإختلاف لغاتها ولهجاتها.. وأسمعها في صوت مزامير السيارات، وعند أعمال البناء.

أحبها لأنها دائماً كانت تذكرني بأشخاصٍ أحبهم، ودائماً كانت تجمعني بأفرادٍ بدو بعيدين وقربتهم إلي.. وفي كل مرة أزورها يكون هناك من يزورني، ويرحل عني كلّما أتى موعد الرحيل عنها.. وفي تلك الليالي التي كنت أذهب للنوم فيها قبل أصدقائي، أو هكذا كانوا يظنون.. إلا أني أذهب لما هو أبعد من النوم بكثير، فحتى الأحلام تكون فيها أحلى.

سأزورها بعد أيام، وسأكتب من هناك عنها ولها.. وعن الذين سأقابلهم.. وعن زحمة شوارعها الصاخبة الهادئة.. وعن الأغنية التي سأتعلق بها.. وعن الوردة التي سيحين موعد قطفها.. وعن الأميرة التي سأقع في حبها..

كل زيارة لها قصة، ولدي شعورٌ أنها ستكون الأجمل هذة المرة..
 إنتظريني يا أجمل مدينة في الدنيا..
 يا عاصمة قلبي والضباب