أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

2012



بين ناسٍ أعدادهم كثيرة في أحد الأماكن التي تشبه المطاعم، في وسط مدينةٍ فاتنة الجمال.. قمت من مقعدي لأتجول في المكان من دون أن أشعر. كانت من المرات القليلة التي تقودني فيها أرجلي وليس عقلي أو قلبي. تجولتُ في المكان وكأني سائحٌ يزوره لأول مره، وأنا من كنتُ أعرف المكان بتفاصيله الدقيقة لكثرة إرتياده.. أو هكذا كنتُ أظن. إلا أني إكتشفتُ بأني لا أعرف شيئاً، وكلُ الأمور بدت جديدة علي. إكتشفتُ أيضاً بأني وبالتأكيد لا أعرف الكثير عن أماكن أُخرى، كنتُ أظن أني أملكها من شدة إيماني بأني أحفظ جميع تفاصيلها.. إكتشفتُ أن من يريد أن يستمتع بتفاصيل الأماكن، ورؤية الأمور القديمة وكأنها جديدة في كل مرة، ويحب أن يشعر بلذة القهوة التي يرتادها دائماً، فعليه أن يخرج من منزله كل يوم مرتدياً روح سائح يقضي صباحه الأول في مدينةٍ جديده عليهِ كلياً.. يذهب إلى كل تلك الأماكن بعقل وقلب السائح المتشوق لكل ما هو جديد، المنتظر للمفاجئات، المبالغ في كل شيئ يراه وكل شيئ يأكله، فيصفه بأنه أجمل ما رأى وألذ ما أكل. 

فبين رجلٍ يُدّخن وهو جالسٌ على طاولةٍ كُتِبَ عليها بخطٍ عريض جملة "ممنوع التدخين" .. وبين أُمٍ تُقّلم أضافر إبنها الرضيع، أو إبنتها، لا أعلم فقد كان الطفل صغيراً جداً وفي مرحلة عدم التمييز.. وبين أجهزة اللابتوب العديدة، وأكواب الشاي والقهوة التي تملأ رائحتها أرجاء المكان.. والكتب الكثيرة جداً على رفوفٍ وُجِدَت لتفيد الزوار، إلا أني لم أرى أبداً من يذهب إليها لتناول كتابٍ ما أو مجله، وأنا منهم، حتى وإن كنتُ أُحب القراءة وأعشق رائِحة الكتب، وكأنها وُجِدَت للزينه. وتحت ناطحات السحاب التي تغطي سماء المدينة.. بين وجوهٍ بيضاء وحمراء وسمراء.. أجد نفسي في وسط كل التفاصيل الصغيرة، أبحث بينهم عن ما يدعونه ب"قرارات العام الجديد".

أسمع الناس عادةً في نهاية عام وببداية عامٍ جديد، تتحدث عن ما حددت لها من أهداف وقرارات سوف تُتِّخذ  للمضي بها في ما هو قادم من أيام، أو بالتحديد في الثلاثمئة وخمساً وستين يوم القادمة. إلا أني أجد صعوبة بالغة في تحديد قراراتي، وطموحاتي. أنا أصحى كل صباح بطموحٍ جديد، وطموحٍ أكبر عن الذي كنتُ أحمله معي إلى أحلامي في المساء. أطمح بأن أُسافر في كل يوم إلى مدينة جديدة علي.. أطمح أن أُقابل في كل يوم شخص لن أُقابله في حياتي ثانيةً، أسمع منه قصته، وأسرق منها العبر ثم أرحل.. أطمح في كل يوم بأن أُقابل أميره، وأقع في حبها، وأكتب عنها ولها، وأذهب إلى النوم في المساء لتكون أحلامي في تلك الليلة هي آخر ما يتعلق بها.. أطمح بأن أتعلّم كل شيئ في كل يوم، ولا شيئ في أي يومٍ آخر.. أطمح بأن أكون إلهاماً ولو لشخصٍ واحد طوال حياتي، فهذا يكفيني .

طموحاتي تفوق المعقول بكثير، حتى السماء لم تعد حداً لها.. ولكن لم يكن للأحلامِ يوماً سعر، لذا سأحلم كثيراً لأحقق كثيراً. ولكن كل ما يهمني الآن هو بأن أمضي في الحياة، متمسكاً بمعتقداتي، مؤمناً بديني وقدراتي، واثقاً من نفسي، مخلصاً لوطني، محباً لعائلتي وأصدقائي، حبيباً دائماً لحبيبتي.. وأن أفعل ما أفعله لأني أحبه، وليس لأني مُجبرٌ عليه.. ففي ذلك وبرغم التعب، راحة للعقل والروح والقلب والجسد.. في ذلك سعادة داخلية كبيرة، يشعر بها كل من يقوم بما يحبه كثيراً....

الحياة حلمٌ أعيشه، وليست واقع يعيشني.. لن يأسرني فيها إلا ما أحب، ومن أحب.