أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

لحظات تمر عليك

في الحياة هناك لحظات تمر عليك، ببطء أحياناً، وأحياناً أخرى بسرعة، تأخذك لموقعٍ مرتفعٍ عن ما أنتَ عليه. تأخذك لتنظر لحياتك من الأعلى. من كل الجوانب التي لا يراها الإنسان من مكانه الطبيعي. وكأنك في لحظتها إنساناً آخر، ينظر في عددٍ هائلٍ من المرايا، ولا يرى أحد، ومراتٍ أخرى يجد في زاويةٍ واحدة من تلك المرآة، كل أحد. ماذا فعلت. ما الذي قُمت به، الآن، وبالأمس. البارحة، وما قبلها، ومنذ ولادتي. لِمَ أنا فعلاً هنا، وأين أريد أن أكون.

 هناك لحظات، تختلي فيها بنفسك، دون أن تدرك أنك حقاً لوحدك. لوحدك تماماً في الحياة. واقفاً هناك دون أن تلتفت، فلا أحد يقف بجانبك على أية حال. في الحياة ازدحاماتٌ مؤلمة، بشرٌ كثر، أيامٌ لا تحصى، وقتٌ قصيرٌ جداً وفراغٌ أعمق من كل هذا. 

هناك لحظات، وهنالك أسئلة، وهناك مخاوف تكادُ لا تنتهي. لحظة تشعر فيها بين الناس بأنك ملكت كل شيء، وحين ينتهي بك يومك في غرفةٍ لا ينيرها سوى شمعةٍ بقرب النافذة، تشعر مثلها بالوحدة، وبأنك حقاً لا تملك أي شيء. أسئلة تكاد تمزق رأسك من شدة قسوتها. ولا شيء يشبه السؤال الأقسى: ثم ماذا؟ ماذا بعد كل هذا؟... لا شيء. أو ربما كل شيء. والفرق بينهما إما كبيرٌ جداً، وإما يكاد لا يُرى. ومن بعدها يأتي الخوف الأعمق على الإطلاق، وهو أن ينتهي بك العمر، وأنت لا تحمل في قلبك أرقّ أشكال الحب. فالحب حياةٌ من دون شك، هو كل الحياة. 

هناك لحظات تمر عليك، تذكرك بكل هذا وذاك، تُميتك وتحييك في لحظات، تعيدك إلى حيث بدأت، لتذكرك لِمَ بدأت. جئنا للحياة دون اختيار، وسنرحل عنها متى تشاء هي. نحن هنا في رحلة انتظارٍ لا أكثر، وكم نحن البشر حمقى، لنستنزف كل هذا التعب، في حين أن كل ما علينا فعله حقاً هو الانتظار. بصمتٍ أو بغناء. بضحكٍ لا ببكاء. فهنا نملك الخيار، هنا فقط، عند الانتظار. أما القدوم والرحيل، والحب من بينهما، فلا يد لنا فيهم، ولا رجاء سيغيّر موعد وصولهم. 

هناك لحظات في الحياة، توقظنا، تفتح لنا قلوبنا، وتبدد كل مخاوفنا. لا نطلب لحظتها شيئاً، سوى أن نمضي في العمر نحمل قلباً، يتوقف متى ما شاء، ولكن يترك للحب مكاناً فيه دائماً، حتى يجد الحب لنفسه مكاناً متى ما جاء، إلى أن يشاء ويتوقف القلب إلى الأبد، قبل أن يحيى من جديد مرة أخيرة.