أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

فكرة


حفر الإنسان البئر كي يخرج منه الماء، وصنع الطائر العش كي يحمي فراخه، وخلق الله عقل الإنسان حتى يفكر به. فإن فرغ ما ذكرنا مما يحتويه، لم يعد له فائدة، أو على الأقل يكون قد تخلص من قيمته الحقيقية.

عقلٌ تملؤه الأفكار الجديدة هو عقلٌ مليءٌ بالحياة، وعقلٌ جديرٌ بها. السعادة بالنسبة لي ليست في الحصول على ما أريد، فقد أحصل على كل شيء دون أن أفعل أي شيء. السعادة غير مرتبطة أبداً بالنجاح أو الفشل، بل بالاستمرار الدائم في العمل. مسكن الإيمان والشغف في نظري  هو في العقل والقلب معاً. في لحظات قد تهزم، وتسقط، وتتألم، ولكن أن تملك الإيمان بنفسك وقوتك، بأنك قادرٌ على العيش مع كل هذه الظروف، وتخطيها، والمضي بعيداً عنها إلى مكانٍ آخر وتجربة أخرى، هنا تكمن كل السعادة. مع كل فكرة جديدة تخطر في بالي وأجدني مشغولٌ بها، أكون قد وجدتُ نفسي أكثر، وأحببتُ نفسي أكثر، وآمنتُ أني على قيد الحياة فعلاً، وكل ذلك يضيف المعنى والقيمة لحياتي ووجودي. نحنُ بشر، وإن كنا لا نحمل هم الأفكار 
التي تدور في أذهاننا، وهم أن لا تكون في أذهاننا فكرة نؤمن بها، تتعبنا ونتعبها، فأين الفرق بيننا وبين الحجر من حولنا!

أنا سعيد، لا لأنني أحب عملي، أو أنني قادرٌ على المشي، أو أنني أملك الكثير مما أريد، أو أن لدي أفضل الأصدقاء. أنا سعيد، لأنني في كل ليلة، أحارب النوم بسبب الأفكار التي أريد أن أحولها إلى واقع، والأماني التي أريد تحقيقها، والعمل الكثير الذي على القيام به في اليوم التالي. أنا سعيد، لأني أشعر بقيمة الحياة الحقيقية، وأرحب دائماً بكل فكرة جديدة، وأقبل التحدي في أغلب الأحيان.

نكبر كل يوم، لنجد أفكارنا التي كنا نؤمن بها قد تغيرت، وأن الحال قد اختلف. وأن وجهة نظرٍ لطالما تمسكنا بها، لم تعد اليوم مهمة. وهنا تكمن في اعتقادي متعة الحياة. أن نتقبل أنفسنا في كل وقت، وأن نمضي بمرونة بين الأفكار المختلفة والتي قد تعارض معتقداتنا. أن تفتح أذرع عقولنا على كل ما هو جديد، وكل ما هو غريب. أن نؤمن بوجود الاختلاف، وأن الآخرون ليسوا نحن، هم فقط مختلفون. التنوع رائع، فقد لا أتفق أو حتى أتقبل كل ما أسمع، وكل ما أقرأ، وكل ما أرى، ولكنه حتماً سيغذي معرفتي، وعليه سأبني أفكاري، وسأملأ به جرأتي.

من عاش من دون أن يؤمن بفكرة، ولو واحدة، يكون قد حرم مخلوقاً آخر من أحقية العيش كإنسان. 

ليس أسوأ من الموت سوى أن تموت وأنت ما زلت على قيد الحياة. 

بالعربي

في افتتاح مهرجان المسرح الخليجي هذا العام، صرح صاحب السمو حاكم الشارقة بكلمة رائعة تجاه المسرح والفن حيث قال: "المسرح يطهّر الناس من أوجاعهم". ويقول الفنان العالمي بابلو بيكاسيو: "الغرض الحقيقي من الفن هو غسل غبار الحياة اليومية من نفوسنا". أما أنا، فأعتقد أن الفنون بكل أشكالها، هي الدواء للعديد من مشكلاتنا ومصاعبنا، وهي السعادة في الحياة وروحها الحقيقية. فالعالم من دون فن، كصخرةٍ سوداء مغبرّة تعيق على الناس الطريق، والمدينة من دون فن كلوحةٍ بيضاء فارغة أضاع صاحبها فرشاته، والإنسان من دون فن يبدو جافاً شاحب اللون والمنطق والتفكير. الفن بكل أشكاله، الكتابة والرسم والغناء والتمثيل والنحت والرقص والتصوير والإلقاء والإخراج وحتى الإبداع في الطهي أو الرياضة أو الاختراع، كلها فنون تضيف إلى 
حياتنا حياةً إضافية، وتذكرنا بجمال الحياة حين تُقفل في وجوهنا أبواب السلبية.

تحتضن دولة الإمارات العربية المتحدة عدد كبير من الفعاليات والمعارض الثقافية والفنية في كل عام، وأصبحت الإمارات
 اليوم وجهة فنيّة يقصدها العديد من الفنانين والمهتمين بالفن من كل أنحاء العالم وهي تصر على التواجد بقوة في شتى مجالات الحياة ولاسيما الفنية منها، وما هذا إلا دليل واضح على اهتمام الدولة بالفنون، والإيمان التام بأهميتها وقوة تأثيرها الإيجابي على الأفراد. وتعد أيضاً استضافة الأحداث الفنية تشجيع علني لشباب الإمارات بالبحث عن أنفسهم من خلال الفنون الجميلة، خصوصاً بعد بروز عدد من الأسماء الإماراتية اللامعة في هذا المجال. ويأتي إطلاق مشروع "دبي تتحدث إليك" والذي أُطلق مؤخراً لتحويل دبي من مدينة للمال والأعمال إلى مدينة تحمل الفن والجمال في قلبها كما تحمل قاطنيها ومحبيها. إطلاق هذا المشروع ما هو إلا تأكيد على أهمية تواجد الفن بشتى أنواعه في حياة الإنسان، وما قد يضيف من طاقة إيجابية لممارسيها وحتى الناظرين إليها.

الفن هو اللغة الوحيدة التي يتقنها العالم بأكمله ولا تجمعهم عادات أو معرفة أو ثقافة معيّنة، إنما يجمعهم جمال ما قد يرونه من خلال لوحة أو يشعروا به من خلال قطعة موسيقية أو عرضٍ ما. الفن أداة للتعبير عن رأي أو فكرة معيّنة بطريقة مختلفة أكثر حيويةٍ وإقناعاً. الفن قد يلهمنا نحو أفكارٍ جديدة، وأهداف جديدة. وكم أتمنى أن تهتم مدارسنا بالفنون كما تهتم بالمواد العلمية، وأن تؤمن بأهميتها في تطوير شخصية الطفل ومهاراته وأفكاره وإحساسه. لا يكتمل مجتمع من دون تواجد الفنانين فيه، ولا يلمع وطن إلا بقلم كتّابه أو ريشة رسّاميه.

أن تصبح فناناً حقيقياً يعني أن تبدأ بطرق أبواب الإبداع، وأن تصبح مبدعاً يعني أن تتخلى عن خوفك من الفشل. لكي تصبح فناناً، عليك أن تكتسب ثلاثة أشياء: الخبرة والمعرفة والشجاعة المطلقة. 

كانت هناك


كانت هناك امرأةٌ يوماً..
وكانت هناك حياة..
وكان الليلُ مضيءٌ 
وكان العمر مليءٌ بالضحك، والعطر، وأحن الذكريات..

كانت الأزهارُ تفرح، والعصافير في وسط الأزهار تسبح..
والعناقيدُ تتدلّى، والمصابيح تترنح..

تلك اللوحةُ رُسِمَت، بِيَد السماء مرة.. تلو مرة.. تلو مرة..
تلك اللحظة كررت نفسها ألف مرة..
حين جلسنا معاً، أنا وصديقي الشعر.. وتلك المرأة..

وبعد المرة الألف، انسحب الشعر منّا..
وصّب علينا القدر همّاً لا يودّعنا..
وارتمت في احضانها ترانيمُ تشييعنا..
وحضرت الملائكة، وحضر الموتُ ليأخذني..
حتى لا أراها ترحل، فأبقى على قيد الحياة دون حياةٍ تجمعنا..

رحلت.. في غمضةِ عينٍ رحلت..
فلا حبُ تذكرت، ولا حبُ عليه حنّت..
ولا تذكارُ أبقت لي، ولا قصيدةٍ تركت..
وأنا الآن هنا، بعيداً عن الأزهار..
قريباً من الأرض التي، يُدفَن فيها الأحرار..
فلا عمرُ تبقّى لي، إن لم نكن معاً..

ولكن سأنسى قليلاً..
بل سأنسى كل شيء، كل الحزن والألم..
وسوف أحبها دوماً..
ولن أذكر إلا الشعر، إلا سعادتي حينما
كانت هناك امرأةٌ يوماً.. 

بالعربي





في نهاية العام الماضي شهد العالم رحيل أحد أشهر القادة الذين مروا على الكرة الأرضية عبر التاريخ. كان نيلسون مانديلا قائداً للثورة الأفريقية ضد العنصرية، وسعى من خلال مبادراته وتحركاته وأفكاره بأن يغيّر نظرة العالم تجاه أصحاب البشرة السوداء. أمضى مانديلا ما يقارب الثلاثون عاماً في سجون أفريقيا الجنوبية، لكنه حرر بعد ذلك الملايين من البشر، هو ومن كانوا معه، بإصراره وإيمانه بأنها القضية الأهم في ذلك الوقت، وإيمانه بأن الحل قد يكون بيديه. وفعلاً حدث ذلك بعد سنواتٍ عديدة من الصراعات التي انتهت بالإفراج عن مانديلا وأصدقائه، وبعد ذلك اختياره رئيساً لجنوب أفريقيا كأول رئيس أسود لها. تلبّس مانديلا خلال سنوات المقاومة برداء الصبر، والإصرار والعزيمة، كسب ثقة من حوله والعالم أجمع، من خلال أسلوبه في الحديث، ومن خلال أفعاله التي غيّرت نظرة العالم بأسره.
أما غاندي، أبو الأمة كما يلقّب في الهند، فقد كان قائداً مختلفاً في منتصف القرن الماضي. قاد غاندي الثورة الهندية ضد الاستعمار البريطاني بطريقة سلمية وفريدة من نوعها، وكان يحض دائماً  على الابتعاد عن العنف. لم يقُد بالسلاح، بل قاد بالإنسانية المتدفقة فيه، وكان ولا زال رمزاً للحكمة والصدق والسلام. وكلنا قرأنا عن قصة حذاء غاندي الذي رماه خلف حذائه الأول الذي سقط منه وهو يركب القطار حيث قال: "أحببتُ للذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع ال
انتفاع بهما، فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده." طبّق غاندي في هذا الموقف أحد أشهر مقولاته عبر التاريخ: "كن أنت الاختلاف الذي تريد أن تراه في العالم".
وإذا ما أردنا للقيادة مثالاً أقرب لنا ولمجتمعنا، فلن نجد مثالاً أعظم من زايد بن سلطان. ذلك الزعيم الذي وبرغم بداوته وعدم تلقّيه للتدريس والعلم كغاندي ومانديلا، إلا أنه دون أدنى شك كان يحمل في ذهنه الكثير من الحكمة، والرغبة في إحداث التغيير في المنطقة، وقد نجح في ذلك بشكلٍ كبير. زايد تحدّى الإنسان، وتحدى الزمان والأرض، وهزمها جميعها. وحّد المتفرقون، وكوّن دولة، وزرع ثم حصد، وطناً أصبح اليوم نقطةً مضيئة تنير العالم أجمع. أحببنا زايد لأنه قادنا بحب، وأشعرنا بالأمان، وآمن بالإنسان. أحببنا زايد، لأنه وعد وأوفى، وفعل قبل أن يقول.
 وقائمة القادة المختلفون عبر التاريخ تطول، وهم أفراد سيظلون هنا معنا مهما طال رحيلهم، لأن ما تركوه بيننا أعظم من أن يرحل. يقال: على كل مدير أن يكون قائد، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل قائد مدير. أنا أؤمن أن الإنسان لا يدرس القيادة، بل تولد معه. ولكن هذا ليس عذراً لنا بأن نتوقف عن المحاولة. الحياة ليست نجاح وفشل فقط. أن تعيش هو أن لا تتوقف عن المحاولة، وهذه من خصائص القائد الناجح كذلك. القائد هو من يشعر بمن حوله قبل نفسه، ومن يعمل للمجموعة قبل الفرد، ومن ينظر للغد واليوم معاً. على القائد أن يكون قدوة، وأن يعمل أكثر مما يتحدث. القائد الحقيقي هو من يؤمن بقدراته وإمكانياته، ويلاحظ أخطائه قبل الآخرين. القائد الحقيقي  هو أنت إن أردتَ أن تكون. كلنا بحاجة لقائد، وكلنا بحاجة لقدوة. كن أنتَ القائد الذي تريد أن تتبع، وكن القدوة التي تريد أن تقدّس. نحن في الإمارات حظينا عبر السنين بقيادة فذة وفي جميع المجالات، وبسببهم وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. حان الوقت أيها القارئ الكريم، بأن تنضم إليهم. كل ما عليك أن تفعله في البداية، هو أن تكون مختلفاً.
 يقول بيرناردو باروش: "ملايين شاهدوا تفاحة تسقط، لكن نيوتن وحده سأل لماذا".

يناير، واحد وثلاثون



عامٌ جديد، ويوم أول كبقية الأيام السابقة. فرصةٌ أخرى، فرصةٌ أولى
 للبحث عن جديد. عامٌ سابقٌ غريب، وعامٌ قادمٌ أغرب. 

لا شيء سوى مشيٍ من دون هدف، وكأن ذلك هو الهدف.

أتذمر، ثم أرى العالم، فأستريح.

أنا والشوقُ أعداءٌ إلى الأبد، نكره بهضنا البعض.
 يُعاقبني كلما تجاهلته، ويؤسفني أن لا أفهمه.

ليست الحياة قصيرة إلا لمن اشتاق الرحيل.

لدي من الأصدقاء ما لا يملك أحد، وأنا أشدهم تقصيراً.
 أطلب المعذرة في سري، وأقسو في العلن كثيراً.

وحده البحر يعلم كل شيء. 

الحياة مدهشة وكريمة، إلا أن الإنسان سرق منها الكثير حتى تركته ورحلت.

سقوطٌ إلى الهاوية، ثم راحةٌ طويلة، طويلةٌ جداً. 

هذا العمر يشارف على البداية في لحظة، ويقترب من النهاية في أخرى.
 ونحن لسنا سوى منتظرون بين اللحظة والأخرى.

طريق النجاة والخلود وعر، ولم يستطع أحد الوصول إلى آخره حتى اليوم.
أتينا للدنيا لنقومَ بعملٍ واحدٍ فقط، أتينا لنختار.

قضيت السنين وسأمضي ما تبقّى باحثاً عن نفسي،
 ولا أظن أني يوماً أجدني. 

أحسب أني في الحياة أتعلم، وأجد أني في الحياة لا أعلم شيء.
 نحن صغار مهما كبرنا، نكبر ونزداد صغراً.

صمت، ما لنا إلا الصمت بينهم.

نظن النهاية بعيدة، إلا أنها أقرب إلينا من أي شيء.
 نمضي، ولا نتوقف إلا عندما نرفض التوقف.

نجد الأمل في من نحب، ونجد من نحب وسط عالمٍ مليءٍ بالكره.
 ليس المهم أن نجد، المهم أن نظل نبحث.

وحدهم الأحرار الحقيقيون، هم من يعلمون عن الحياة كل شيء.
 أما نحن، نكبر كل يوم ويزداد ابتعادنا عن الحرية.

أرى هدفي أمامي، لكني لا أرى الطريق إليه. 

لا شيء أصعب من موت العزيز إلا رحيله.
 الموت صعبٌ، ولكن الرحيل مؤلم.

تمنيت لو كانت الحياة مجرد نجاحٍ وفشلٍ فقط،
 لكننا نمضي ولا ننتهي منهما أبداً. 

حب الحياة شيء، وتقبّلها شيءٌ آخر.

ما لنا عن الحزن بديل، فهو الشعور الصادق، والألم الكريم.

أريدُكِ حد البكاء، وأنا لا أبكي إلا لموتِ عزيز. إما أن تقبلي
 بي لنبكي طويلاً معاً، أو ترفضيني فينتهي بي البكاء.

رحَلَتْ. فمضى ثقيلاً، كرجلٍ يحمل أرضه على كتفه ومن تحته
 يعرقله فراغٌ لا يكاد ينتهي. رحلت، فغدت السماء مسرحاً
يؤدّي فيه البكاء أجمل رقصاته.

لا يقتلني في الحياة شيءٌ أحدّ من الوقت، ولا يقلقني ولا يبعثرني
سوى صوت الوقت. كم وددتُ لو يتوقف قليلاً، كم وددتُ لو يستريح.

نظن بأن الغد أفضل، وندعو كل يومٍ لغدٍ أفضل،
وننسى اللحظة الآنيّة. نرمي ثقلنا على الغد المسكين،
 وحين يأتي، نهاجمهُ وننظر للغد.

كالمطر في بلادنا أنتِ، نحبكِ ونشتاقكِ طوال العام.
 وحين تأتين، الكل يختبئ منكِ. لا أعلم إن كان العيبَ فينا،
 أم العيب في المطر وفيكِ.

لا صوتَ أحقر من ذاك الذي يطرق باب مخيّلتك
بعد أن كافحت حتى وصلت إلى الطريق،
 فتسمع: أهذا حقاً هو الطريق؟

الحياةُ حلمٌ طويل، وأحياناً أقصر بكثير.
 من فقد القدرة على الحلم،
فقد من الحياةِ الدرب اليسير.

ننتظر طويلاً، وحين تأتي لحظة الحسم نتغاظى
 عنها وكأنا لا نراها، ثم نمضي بقية العمر نوبّخ القدر.

أنا مجرّد إنسان.