أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

انسحاب

 
 
 
في كل يوم أبحث وأقرأ عن أولئك الذين غيروا العالم الذي حولهم بشكلٍ من الأشكال، بقلمٍ أو فرشاة أو حنجرة أو... أجد أن الكثير منهم قد غادر في سنٍ مبكرة جداً، فأقول في نفسي: ماذا لو عاشوا لخمسين سنةٍ أخرى؟ ماذا عساهم يفعلون؟ إلى أين سيصلون، وأي كوكبٍ سيُتعِبون؟
 
هل الحياة بهذه القسوة، لترفض أولئك المبدعين من الوجود فترسلهم إلى قبورهم بسرعةٍ ساحقة؟ أم هي السماء من تشتاق لتلك الأرواح التي تحمل في جعبتها أرواحاً أخرى أكثر شقاءً وقدرة. أم هو الإله، بحكمته وعظمته، يهدي لؤلائك المختلفين نصف حياة، لأن الأرض قد لا تحتمل أن ينفجر إبداعهم فيها. لكل رحيلٍ قصته، ولكل موتٍ حكمته.
 
ثم أفكر، هل حزِنَت السماء من البشرية لتتوقف عن إرسال مثل هؤلاء للأرض؟ هل نحنُ مخلوقات عديمة الفائدة لهذه الدرجة حتى يستعصي على أحد تغييرها؟ هل نحن أسوأ ما حدث لهذه البسيطة منذ آدم وتفاحته؟ أكاد أفقد ثقتي في بشريّتي وجنسي وعرقي. أكاد أنسحب، لأكون أي شيءٍ آخر. أي شيء، حتى لا يقول عني أي حقيرٍ يوماً ما: كان ذاك، مجرد إنسان.
 
أخجل من نفسي كثيراً. فأنا أعيش في زمنٍ نصف أرضه يسكنها إنسانٌ مضطهد، ومظلوم، وقريباً جداً معدوم. وفي النصف الآخر يسكن الوحوش الذين تجردوا من أصلهم، من طينهم. وبينهم تعيش بضعُ أفكارٍ تحاول إصلاح ما لا يصلح إصلاحه، سُرعان ما تدعسها أحذية ملطخة بعرقٍ ودم.
 
هنيئاً للمبدعين الذين رحلوا، فما الأرض بالنسبة لهم سوى داراً لأشباه البشر. أما نحن، لا نملك سوى الانتظار، حتى ينتشلنا القدر.