أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

لندن



 
 
 
إنها السابعة صباحاً بتوقيت السماء.
 
يكاد يقتلني التعب، إلا أن النوم قرر ممارسة أتفه المقالب معي. لا أتذكر إن كنتُ لا أحب النوم على متن الطائرات، فأنا لم أسافر لمكانٍ بعيد منذُ مدة، ولكني أعلم أن النوم لا يستلطفني في هذه الرحلة على الأقل. مضت ثلاث ساعات وأنا منشغلٌ بمشاهدة جميع مَن حولي ينام كلٌ على طريقته، وكم أتمنى لو كنتُ أي واحدٍ منهم. 
 
رشفة ماء، ثم ابتسامة تسكن الشفاة، لأني أرحل لبضع أيام إلى المكان الأحب إلى قلبي. كل مرة أسافر فيها إلى لندن، أجتهد لوضع أسباب الحب التي أحملها في قلبي لهذه العاصمة، إلا أني أفشل في كل مره. وأحاول أن أغيّر وجهتي لأي مكانٍ آخر كلما سنحت لي فرصة السفر، وأفشل في كل مرة كذلك.
لندن أسرتني منذ أن كنتُ طفلاً، منذ أن كنت أدخل من بوابة الحديقة تلك، مهرولاً إلى عربة الآيسكريم التي تقف هناك كل يوم تنتظرني، لأنها تعلم جيداً أني سآتيها ما دمنا في ضيافة فصل الصيف. لندن أسرتني منذ تلك اللحظة التي وصلت فيها إليها في إحدى الرحلات القديمة، ووقفت أسفل الفندق لألمح فتاةً غريبة تلوّح بيدها من الأعلى ثم تختفي، وكأنها ملاك لا يظهر إلا في العمر مرة. كانت تلك هي أجمل فتاةٍ لم أرها في حياتي. 
 
لندن التي كلما زرتها، حدث شيءٌ جميل. لندن التي فيها رأيت أجمل الوجوه، وعانقت ألطف القلوب، وقبّلت أروع الصدف. 
 
أؤمن أن لكلٍ منا قصة تروى إلى الأبد في مكانٍ ما. وأؤمن أن لندن هي هذا المكان بالنسبة لي، إلا أني ما زلت أنتظر القصة. 
مئات البشر يشاركونني الرحلة في هذة اللحظة ولكلٍ منهم سبب لرحلته، أما أنا فرحلت إلى لندن هذه المرة كي أتنفس، فقط أتنفس. 
 
عيناي الآن تعاتبني، مؤذيةٌ هي إضاءة الهاتف. أحلامي أيضاً تعاتبني، فكم مللت الإنتظار. إلى الأحلام سأرحل الآن لأحدثها وأداعبها، علّنا نصل بسرعة، لأن كلانا يكره الإنتظار.