أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

يوماً سأسافر

 
 
 
أسافر؟ كيف أسافر وأنا أفتقد مشاركة السفر مع أحد. لذيذٌ جداً هو السفر مع من نحب، والألذ منه هو السفر عن من نحب، لأن ألم الشوق الذي من بعده يأتي اللقاء والعناق أجمل بكثير من سماحة الحب ولطفه. 
 
بعد مساحةٍ عميقة من الظلام الكئيب، لابد أن تظهر شمعةٍ عند زاوية الطريق. وفي وسط أحلك الدروب نحو أي مصير، لابد من إشارةٍ تهدينا نبذة عن المصير. كذلك هو الحب، لا يأتينا من الأمام، ولكن يلامس كتوفنا ونحن نسير، ثم نلتفت لنلقاه هناك قريبٌ منا يبتسم، ويأخذ بيدنا فنطير. 
 
كل الأشياء الجميلة التي تحدث في حياتنا، الأشياء الجميلة حقاً، تحدث لنا فجأة؛ تلقانا عند أحد جوانب الطريق، وليس على الطريق نفسه. الحب، السعادة الحقيقية، الدمعة الصادقة، الأصدقاء الطيبين، القدر ومتعة الحياة، نجدها جميعها على جوانب الطريق. 
لذلك كل أسفارنا التي نعتبرها هروبٌ من الواقع هي في الواقع ليست إلا واقعاً لم يتغيّر منه إلا الرائحة وبقت ألوانه كما هي. أسفارنا تفتقد إلى لذةٍ لن ندركها إلا إذا لم نحدد أسفارنا. كذلك كل الأشياء الجميلة حقاً، فهي لا تأتي إلا لمن لم يحددها مسبقاً.
 
أشتاق السفر دون وجهه، وأشتاق المسير دون هدف، وأشتاق لأشياءٍ لم أرها ولم أجربها ولم أهرب إليها. أشتاق الحب المباغت، والوجوه الغريبة، وابتسامات الشوارع الجديدة. أشتاق بغض رائحة عطرٍ يزور الأرض لأول مرة، لأني أشتاق التجريب. 
 
أصبحت اليوم أهوى الكتابة في الهواء، في وسط بشرٍ تختلف أسباب رحلتهم، فتتناثر كلماتي بين السحب حتى تصل الأرض بريئةً مني، وتحل بعيدةً عني. وكم أتمنى أن أصبح يوماً مُلكاً للسماء، تهديني هي ما تشتهي وما تحب، فلا أندم أبداً ولا أترّجى أبداً، ولا أنتظر حباً أتعبني البحث عنه، فيأتيني صادقاً لذيذاً مطهّراً من أعلى غشاء.
 
أسافر؟ يوماً سأسافر، دون طائرة ودون جنحان. سأسافر، فوق القلوب العابرة دون أن أنتظر، لأهبط في أحدهم، ثم ألقى كل الأشياء الجميلة، تلك الجميلة حقاً. يوماً سأسافر، دون عنوانٍ  وتذاكر.