أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

أصدقائي ثلاثة


أمّا الأول،  فهو الوفي حقاً، الذي كلّما غاب عاد مشعاً، سعيداً ومبتسماً. وحده يجلس معي كل ليلة حين يغيب الآخرون، وهم دائماً ما يغيبون. نتحاور ونتعاتب، نتناقش وأحياناً كثيرة نذهب للنوم دون أن نتفق، فنعود في الليلة التي تليها لنتصالح ونعتذر. وحده يحفظ كلماتي كلها، التي كتبتها والتي لم أكتبها. وحده الذي كلّما غبتُ عن حبيبتي، كان يواسيها، ويمسح على رأسها، ويخبرها كم كنتُ أحبها. هو الذي علّمني الكتابة، واللباقة، والغناء. هو وحده من علّمني الحب. وحده القمر، يعرف أسراري كلها.

أمّا هي، فوفيةٌ أكثر منه. هي لم تغب عنّي ولو ليومٍ واحد، ولا أظن أنها سترحل أبداً قبل أن أرحل أنا. وحدها رافقتني كل صباح منذ يوم ولادتي، فكانت أوفى من كأس الحليب، ومن كوب القهوة، ومن الشوارع الفارغة، والقلوب الخاوية. وحدها أذاقتني الألم، وشافتني منه. ولم يكن أحداً صريحاً معي مثلما كانت هي. قالت لي ذات يوم بأن رحلة البحث عن نفسي لن تتوقف أبداً، وفي الغالب فإني لن أجدها أبداً. وحدها الشمس، حملتني حين وقعت، واحتوتني من بردٍ كاد يوماً يسرقني، فيحطمني وينهيني.

أمّا الأخير، فهو الأوفى على الإطلاق. هو ليس صديقي فحسب، بل صديق أبي وأمي من قبلي. هو الأقدم، والأصدق، والأعمق. وحده الذي يسمع ولا يتعب. وحده الذي كلّما أتيته باكياً، لا يسألني عن السبب، بل يحتضنني لأبكي أكثر، حتى أغرقته دموعي. وحده الذي كلما ذهبتُ بعيداً، لاهياً في زحمة الحياة وصخبها وشقائها، أجدني عائداً إليه، لاهثاً، متعرّقاً، متعباً جداً. لم أكن أبداً صادقاً مع أحد مثلما كنتُ معه. وحده يعرف تفاصيل وجه حبيبتي، ويحفظ صوتها. فلم أذهب معها إلى مكانٍ، إلا وقد كان معنا. وحده البحر، يعلم كل شيء.

أنا لا أفتقدهم أبداً، فهم دائماً هنا.

No comments:

Post a Comment