أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

حرية





عاماً بعد عام، ورحلة خلف رحلة. كانت تلك السنة الدراسية هي الأجمل. ثم أتت بعدها سنة دراسية فكانت هي الأجمل. وفي أواخر الأعوام، جلسنا نتحدث ونختار أي الفصول كانت الأجمل. أي المواقف كانت الأحلى. وأي هروبٍ كان الأخطر. جلسنا نتحدث، عن تلك الفتاة التي أحببت في أول سنوات الثانوية. وتلك الفتاة التي أحببت في آخر سنوات الثانوية. وبعدها علمتُ أن صديقي أحبها كذلك، ولكنه لم يكن جريئاً ليحدثها. وأنا كذلك، فمضت من دوني ومن دونه حتى انتهت الثانوية.
عاماً بعد عام، كبرنا رغم وعودنا بأن لا نكبر أبداً. تخرجنا فرحين بالنجاح، حزينين للوداع. فالذي كان يظن فينا أن يوم الرحيل خارج تلك الجدران التي لطالما تقافزنا من عليها يعد يوماً سعيداً ، لابد أنه الآن يندم بشدة على ذلك الظن. فهناك، كان كل شيء، وكل يوم، وكل لحظة جيدة أو سيئة، كانت كلها أحلى. الصداقة والشقاوة والمقالب والقصص. الصباح والمساء، الصيف والشتاء. كانت كلها أحلى.  حتى الحب، رغم طفولته وعذريته، فكم كان أحلى.
أذكر مرةً أني عوقبت لأني أشعلت الألعاب النارية من دون تفكير بجانب غرفة المدير. ومرة أخرى عوقبت لأني تسلقت من دون تفكير سقف الفصل لأقفز في الفصل الآخر. وكذلك عوقبت لأني كثيراً ومن دون تفكير كنت أهوى الكتابة على جدران الفصول والمدرسة. عوقبنا كثيراً، لكنها كلها لأمورٍ قمنا بها من دون تفكير. وها هي الحياة اليوم تعاقبنا في كل لحظة نقوم فيها بأشياء ساذجة أغلبها يأتي بعد تفكيرٍ وتفكير.
كل شيءٍ كان أجمل عندما لم نكن نفكّر.
 أسوأ قرارٍ في حياتي كان عندما قررت أن أتخرج من المدرسة، وأن أصبح حراً، كما كنا نعتقد. علّمونا أن الحرية هي بأن لا تفعل ما يطلبونه منك. كان ذلك أقبح درسٍ تعلمته في حياتي. فالحرية لم تكن أبداً كذلك. الحرية هي أن تفعل دائماً ما تطلبه منك نفسك. وإن كانت المدرسة سجناً، فكم أشتاق لأن أكون سجيناً برضاي، وكم أبغض أن أكون حراً إرضاءً للآخرين.
إلى أطفال المدرسة، لا تخرجوا أبداً منها. مثلي يوماً سيرهقكم الإشتياق، إلى حضن المعلّمة. وسيتعبكم الإشتياق إلى صوت المديرة المزعج في الصباح. وأكثر ما له أشتاق، تلك الفتاة التي أهدتني يوماً مقلمة، ومن يومها ولعامٍ كامل أصبحتُ أنا المقلمة. وأصبحتُ في يدها القلم، وفي جيبها الأيمن ممسحة. من يومها ولعامٍ كامل أصبحت هي الكشكول، وهي جدران المدرسة.

No comments:

Post a Comment