أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

أنا حرٌ كاذب

 
هل نحن أحرار؟ بل نحن نجيد الكذب، فقط لا غير. كلنا عبيد لماضٍ انتهى منذ زمنٍ بعيد، ولكننا نحاول جاهدين بأن نبقيه إلى أن ننتهي نحن ثم نعود للأرض. كلنا عبيد لما يراه الآخرون، وما يظنه الآخرون، وما يشعر به الآخرون. كلنا مجرمون في حق أنفسنا، وحق رغباتنا وأفكارنا الحقيقية. كلنا مجرورون خلف كلماتٍ اختلقها البشر ليخبؤوا خلفها آمنين. كالحياة مثلاً، مساحةٌ اخترعها البشر ليحمّلوها أخطاءهم وتفاهتهم. من نحن حقاً، وماذا نريد أن نكون. ماذا كتبنا في مذكراتنا الشخصية، وخجلنا من أن يقرأها غيرنا. ماذا رسمنا على دفاتر المدرسة عندما سهينا، وماذا خربشنا حين عدنا لوعينا. نسينا كل ذلك، حين ملأوا عقولنا بما يجب أن نفعله، وما يجب أن نقول وما يجب أن نتعلم وما يجب أن نترك خلفنا ونمضي. كم من أحلامٍ دفنتها أحكام الآخرين. وكم من أقدارٍ بترناها من حياتنا، بأقوالهم وأيدينا. وحدهم الأموات هم الأحرار حقاً، فقد تخلصوا من كل شيء.
 
متى نتحرر من أحكام الآخرين. متى نتحرر من أحكامنا على الآخرين. متى نمضي في الحياة، من أجل أن نمضي فقط. متى نجتهد لمعرفة شخصٍ ما، بكل تفاصيله، قبل الانشغال برمي كل أشكال المذمة على جبينه. متى يصبح الإنسان الآخر، آخر همنا وأولوياتنا، وتصبح الأفكار والأحلام أولها؟ متى نصبح بشر حقيقيون، بعيداً عن المادة التي قتلت في نظري الكثير ممن أخالطهم كل يوم. ميتين يمشون على الأرض، لا أكثر.
 
أيتها الأرض، أعتذر منكِ بالنيابة عن نفسي فقط، فلا شأن لي بكل من حولي. أعتذر منكِ، لأنني حتى الآن أعيش تحت رحمة الآخرين. أعيش ولا أعيش، كما يجب حقاً أن أعيش. أنا حر اليوم، لأني قد أقاوم فعل ما يريده مني الآخرون أحياناً. لكني سأصبح حراً حقاً، حين أقوم بما أريده أنا، ولا أحد غيري. حين أفكر بشيء، ولا يكون آخر من سمع عن الفكرة هو قلبي. حين أتنفس كل لحظة في حياتي كما أشاء، من أجلي أنا وحدي. سأكون حراً، حين أفكر بصوتٍ عالٍ جداً، ولا يكترث أحداً لأفكاري.
 
تحرروا من أنفسكم لأنفسكم، وحرروني معكم. فأنا لست سوى جبان يخشى حتى الخروج من زنزانته التي تحتقره.


No comments:

Post a Comment