أكتب لأن في هاتفي أحرف عربية

خربشات الوقت الضائع


رغم كل تلك السنين.. ما زلت أذكر اللقاء الأول، واللقاء الأخير.. وما زلت أحنّ لكليهما.. وما زال قلبي ينبض سريعاً كلما تخيّلت مصادفتك، حتى أصبحتُ أخشى الصدف.. رغم كل تلك السنين.. 
تعلّمتُ في طفولتي ما كان يجب عليّ تعلمه اليوم؛ تعلمتُ الحب، والإيمان به.. وحتى الكذب من أجله.. تعلمتُ الإنسانية التي تناستني.. والخوف الذي هجرني.. علّمَتْني الطفولة، كلّ ما علّمتِني.. كبرتُ بكل أسفٍ، ولم أعد اليوم تلميذ.. 
أنا سعيدٌ لأني عشتها، وحزينٌ لأني فقدتها.. وكم أتوق لاسترجاعها.. كم أتوقُ للعيش من جديد، للسهر والضحك والغيرة والغضب.. للشوق واللقاء والأغاني والقصيد.. ولم أشتق في حياتي لشيءٍ بقدر اشتياقي لحبّات الرمل التي سُكِبَت في كفّي، قادمةً من يداك.. رغم كل تلك السنين.. 

_____________________________

مضت سنواتٍ طوال منذ أن رأيتُ وجهكِ آخر مرة.. عبرتُ خلالها الكثير من البحور، وكتبتُ العديد من القصص التي لا تخصني، حتى نسيتُ من بعد وجهكِ، وجهي.. ثم جلستُ في ليلةٍ باردةٍ ميّتة، بعيداً عن المدينة، بعد السنين الطوال، أراقب الهلال الدافئ يذوب ببطئٍ شديد، حتى شعرت بأحجاره الصغيرة تتناثر عند أرجلي.. وإذ بوجهكِ يظهر فيه، ويزداد وضوحاً كلّما ذاب الهلال أكثر.. رأيت وجهكِ بكل تفاصيله، وفي كل لحظاته.. وإذ بي أعود طفلاً، ثم شاباً، ثم رجلاً من جديد.. رسمتِ لي بوجهكِ في تلك الليلة دون أن تدرين، أجمل لوحةٍ احتضنتها سماء الكون.. احتجتُ في تلك اللحظة لشيءٍ أكثر من ذلك بقليل.. احتجتُ أن أتلمّس اللوحة، بألوانها وخربشاتها.. أن أتلمّس دفئ وجهك، وابتساماته وشاماته.. احتجت ولكن الهلال اضطّر للرحيل، فعدتُ إنساناً بلا ذاكرة، ولا روحاً ولا أحجار متناثرة.. 

No comments:

Post a Comment